إذا أردت تـكـويـن تـصـور أولـي للطبيعة والـثـقـافــة فـعـلـيـك الـقـيـام بـمـا يـلـي:
انـظـر حـوالـيـك فـي أي مـكـان تـكـون فـيـه وحـاول أن تـمـيـز بـيـن الأشـيـاء الـتـي خـلـقـهـا الـلـه، والأشـيـاء الـتـي أبـدعـهـا الإنـسـان.
فـمـثـلا: الـعـبـاد، الأشـجـار، الـبـحـار، الـنـجـوم، الـمـيـاه، الـحـيـوانـات، الـحـشـرات... كـلـهـا مـن خـلـق الـلــه فـهـي إذن تـعـود إلـى الـطـبـيـعـة لا إلـى الـثــقـافـة. أمـا مـا صـنـعـه الإنـسـان مـن أدوات ووسـائـل ومـا ابـتـكـره مـن عـلـوم، ومـا أبـدعـه مـن فـنـون وقـوانـيـن وأسـالـيـب عـيـش فـهـي مـن الـثـقـافـة.
مفهوم الطبيعة:
ü الفهم العامي: كلمة طبيعة في مفهومها العامي هي كل ما هو مشاهد ومرئي كالمناظر الطبيعية مثلا، كما تعنـي كلمة طبيعي، العادي، كأن يقال: هذا أمر طبيعي، أو هذا أمر عادي، فنجد أن الفهم العامي ضيق وسطحي وذاتي. ضيق لأنه يحصر الطبيعة في البيئة الجغرافية، وسطحي لأنه يخلط بين ما هو طبيعي وبين ما هو عادة، ثم هو ذاتي لأنه ما أفهمه أنا من الطبيعي العادي قد لا يفهمه غيـري.
ü الفهم اللغوي: جاء في قاموس روبير Robert "الطبيعة هي كل ما يوجد على الأرض، خارج الإنسان. وهي أيضا ما هو فطري في الإنسان يمتلكه منذ ولادته. وما هو خالص، غير صناعي أو مصنع".
ü الفهم الاصطلاحي: إذا بحثنا عن كلمة طبيعة عند أهل الاصطلاح لن نجد لها فهما واحدا، بل يصل الاختلاف إلى حد التناقض، وهذا كله بسبب استخدامها الواسع فنقول مثلا: علوم الطبيعة ونعني شيئا غيـر ما نعنيه حينما نقول: العلوم الطبيعية وفي الرياضيات نقول مجموعة الأعداد الصحيحة الطبيعية وهكذا...
ü المعجم الفلسفي: قد جاء في معجم أندري لالاند ما يلي: "الطبيعة سمات خاصة تميز فردا ما، من حيث هي خصائص فطرية" ويمكننا أن نستنتج من هذا التعريف بأن الطبيعة تشير إلى كل ما هو فطري وبيولوجي، خلافا لما هو مكتسب وثقافي.
يمكن إذن أن نستنتج من التحليل السابق ما يلي:
1. لا ينبغي التفكير في تعريف نهائي للطبيعة.
2. الطبيعة هي مجموعة الأشياء الخارجية التـي لم يتدخل الإنسان في صنعها كالأشجار والجبال والبحار مثلا.
3. يمكن تحديد بعض الخصائص التي تميز الطبيعة فهي أولية، سابقة، فطرية، غريزية، ثابتة.
مفهوم الثقافة:
ü المعنى العامي: قد ينظر الإنسان العادي إلى الثقافة على أنها كثرة المعلومات والمعارف وسعة إطلاع وقـدرتـه عـلـى الـنـقـاش والـحـوار فـي مـيـاديـن مـعـرفـيـة عـديـدة، كالـسـيـاسـيـة، الــفـن، الـفـلـســفـة، الـديـن...، غيـر أن هذا الفهم لا يكشف المعنـي الحقيقي للثقافة فهو سطحي لا يأخذ إلا بالمظاهر ثم هو ضيق يجعل الثقافة حكرا على البعض من الناس فقط.
ü المعنى اللغوي: ورد الفعل ثقف في القران الكريم بمعنى وجد الشيء، حيث قال تعالى "واقتلوهم حيث ثقفتموهم" أي اقتلوا مشركي مكة أينما وجدتموهم.ا كم ذكر أيضا فعل ثقف في قواميس اللغة بمعنى تقويم اعوجاج الشيء، أي إصلاح الشيء وتهذيبه وإعداده للاستعمال. كلمة ثقافة مشتقة أيضا من الفعل ثقف فيقال ثقف الرجل أي صار ذو فطنة وذكاء. رغم أهمية التحديد اللغوي للثقافة إلا أنه لا يكشف عن مكونات الثقافة.
ü التعريف الأنتروبولوجي: يقوم العالم الأنتروبولوجي الانجليزي تايلور TAYLOR"الثقافة هي ذلك الكل المركب الذي يشمل المعرفة والعقائد والفن والأخلاق والقانون والعرف وكل القدرات والعادات التي يكتسبها الإنسان من حيث هو عضو في مجتمع".
ويمكن أن نستنتج من التحليل السابق ما يلي:
- أن التفكير في إعطاء تعريف نهائي للثقافة أمر متعذر.
- الاختلاف في تعريف الثقافة مبرر فهو خاضع لتطور المعرفة وخاصة في المجال الإنساني.
يبدو من التحليل السابق أن الطبيعة تختلف عن الثقافة رغم صعوبة تعريفهما غيـر أن الصلة بين ما هو طبيعي وما هو ثقافي قوية، فالإنسان يتوفر على إمكانيات حبته بها الطبيعة ويزيد عليها بمكتسبات ثقافية واجتماعية